حقنة البنسلين طويلة المفعول
في هذه المقالة سنتعرف على حقنة البنسلين طويلة المفعول
حقنة البنسلين

حقنة
مَن مِن شباب اليوم أو الأمس لم يذق من "حرارة" حقنة البنسلين طويلة المفعول، التي مثلت وتمثل إلى حد الساعة كابوسا لبعضنا، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى التخلي عن استعمال مجمل الحقن بسببها. أما بعضنا الآخر، فأصبح لا يتكلم، عندما يلم به مصاب صحي ما، إلا بالحقنة العضلية العتيدة، بل ويستحيل علينا كأطباء إقناع بعضهم بعدم إمكانية استعمالها في حالتهم تلك؛ هذا إذا لم يسارعوا إلى الاستفادة من "بركتها" قبل أن يفكروا في استشارة الطبيب، لأن حالتهم ساءت ولم تتحسن كما كانوا يتوقعون من الحقنة الأشهر في التاريخ.
حقنة البنسلين طويلة المفعول
فما طبيعة هذه الحقنة، وما هي دواعي استعمالها، ولماذا هي مؤلمة كما عهدها كل من استفاد منها، وهل هي فعلا فعالة إلى تلك الدرجة التي يذكرها بها آباؤنا وأجدادنا؟
في الحقيقة، نحن نتكلم عن دواء مشتق من البنسيلين نوع (ج) – وليس البنسيلين نفسه - ويدعى بينزيل بنزاتين البنسيلين، المعروف أكثر باسمه التجاري: إكستانسلين. ويتميز هذا الدواء عن حقن البنسلين (ج) العادية، بكون المادة التي أضيفت له، تجعله بطيئا في الانتشار في كافة الجسم، بحيث لا يصل تركيزه الأقصى في الدم إلا بعد 13 إلى 24 ساعة، عكس البنسلين العادي (30 دقيقة)، كما يبقى الدواء فعالا لمدة تصل إلى 14 يوما متتاليا.
يستعمل هذا الدواء الذي يتوفر فقط على شكل حقنة عضلية حصرا، في علاج العديد من الأمراض الناجمة عن الإصابة ببكتيريا تعرف بالمكورات العقدية، أو تلك التي تنتمي إلى فصيلة الباكتيريا اللولبية المسؤولة مثلا عن مرض الزهري syphilis. أما المكورات العقدية فقد تكون مسؤولة عن التهاب اللوزتين والالتهاب الرئوي الحاد والتهاب الطبقة الداخلية للقلب والتعفنات الجلدية، إلخ. والدواء معروف عنه أيضا أنه أساسي في الوقاية من الآثار المدمرة لروماتيزم القلب الذي يصيب المفاصل وخصوصا القلب.
من بين أكثر الآثار الجانبية التي قد تتسبب في ظهورها البنسلين طويلة المفعول: الحساسية التي تتمظهر غالبا على شكل طفوح جلدية مع حكة أو انتفاخ على مستوى الوجه قد يكون خطيرا، كما قد يتسبب الدواء في الإسهال أو التقيؤ.
وبالتالي فإنه يمنع تماما استعمال حقنة بينزيل بنزاتين البنسيلين في حال وجود حساسية من أدوية البنسلين على العموم، أما الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات فيمكنهم استخدام الدواء دون مشاكل، وفق الدواعي العلاجية والمقادير المعروفة.
في الوقت الراهن، ورغم أن منظمة الصحة العالمية تدرج البنسلين طويلة المفعول ضمن الأدوية الأساسية، إلا الأطباء لم يعودوا يصفون كثيرا هذا الدواء، لوجود مضادات حيوية أخرى تضاهي أو تفوق مفعول الحقنة العضلية، كما تتميز عن هذه الأخيرة بكونها تأخذ عبر الفم. وبالتالي فقد تقلصت دواعي الاستعمال إلى حالتين تقريبا حيث ما زالت تستعمل بكثرة وهما: الوقاية من الروماتيزم القلبي (و هنا يكمن سر التصنيف)، وعلاج مرض الزهري، رغم أنه حتى في الحالة الأخيرة، فإن هناك أدوية تأخذ عبر الفم أثبتت الدراسات أن لها نفس المفعول على المرض (azitromycine)، خصوصا في مرحلة مبكرة من تطوره.
فيما يخص ألم هذه الحقنة العضلية، فيبدو أنها فعلا مؤلمة إلى شديدة الألم، ولكن ليس إلى درجة الأساطير التي تثار حولها: كأن تؤدي إلى الإغماء من شدة الألم، أو شلل في الطرف السفلي المعني بالحقنة أو حتى الموت. بالطبع، مثل هذه الحوادث يمكن أن تحدث - كباقي أنواع الأدوية - إذا لم يتم احترام موانع الدواء ودواعي استعماله وطريقة تحضيره وحقنه. وحول هذه المسألة الأخيرة، فإنني أعترف شخصيا أن الحقنة صعبة الاستعمال، ويجب التعامل معها بحذر، خصوصا أثناء مزج المسحوق مع الماء المعقم، حيث يرتفع ضغط ولزوجة الخليط؛ وكذلك أثناء عملية الحقن التي تتم ببطء نسبي، وهذا ربما ما يفسر أن المريض "يعيش" العملية لحظة بلحظة، مع ما قد يحمله ذلك من ألم وتأثير نفسي وسلوكي.
أخيرا، يقترح أهل الطب طريقة بسيطة للتغلب على الألم الذي تحدثه الحقنة، عير إضافة قدر يسير من مادة مخدرة مثل "الليدوكيين"أو"البروكايين" إلى الخليط، خصوصا بالنسبة للمرضى المجبرين على استعمال الحقنة العضلية بصفة منتظمة كمرضى الروماتيزم القلبي.