جميع مراحل الولادة والتوالد عند الإنسان
في هذه المقالة سنتعرف على مراحل الولادة والتوالد عند الإنسان
مراحل الولادة والتوالد عند الإنسان

الولادة
قد يخيل للكثيرين أن عملية التوالد عند الإنسان - أي التزاوج المؤدية إلى الحمل - عملية بسيطة وسريعة التحقق... لكن في حقيقة الأمر، فإن نسبة الخصوبة عند زوجين حديثي العهد بالزواج - لا يعانون من أي مشكل في الانجاب، والعلاقة الحميمية بينهما طبيعية ومنتظمة - لا تتعدى 25 في المئة: أي فرصة من أصل 4 كل شهر. فما بالك بالأزواج الذين يعانون من مشكل ما قد يكون سببا في التأخر أو استحالة الانجاب مع أو دون تدخل طبي؟
لذلك ارتأينا عبر هذا الموضوع اعطاءكم فكرة تبقى على كل حال مبسطة عن كيفية إنتاج الأمشاج عند الرجل و المرأة، وكيف تلتقي هذه الخلايا الصغيرة فيما يعرف بالإخصاب ليتكون انسان جديد وحياة جديدة.
الحيوانات المنوية: المسافرون دون أمتعة
الحيوانات المنوية هي الأمشاج الذكورية، وهي بالمناسبة أصغر الخلايا البشرية على الاطلاق، إذ لا يتجاوز طولها 10 مايكرومتر، بينما يتعدى طول ذيلها - المعروف بالسوط - 50 مايكرومتر.
إنتاج الحيوانات المنوية يتم في وسط حراري يقل بثلاث إلى أربع درجات مئوية مقارنة بباقي الجسم (ضروري) - على مستوى الخصيتين - في أنابيب دقيقة يبلغ معدل طولها الاجمالي 250 مترا، وتدعى الأنابيب المنوية. جدار هذه الأنابيب يتكون من مجموعة من الخلايا في مراحل تطورية مختلفة: حيث نجد على أطرافها ما يعرف بالخلايا الجذعية أو الأصلية (spermatogonia) التي تتكاثر باستمرار، وتعطي بعد مجموعة كبيرة من العمليات المعقدة من الإنقسامات المباشرة والإختزالية، والنمو والتكاثر تدوم حوالي 50 يوما - خلايا منوية تحمل نصف الشريط الوراثي للرجل.
تأتي بعد ذلك مرحلة انضاج أولي لهذه الخلايا الصغيرة والتي تتطلب على الأقل 20 يوما حيث يتم تجهيزها بالسوط الذي سيمكنها من الحركة؛ وهذه الأخيرة هي التي نجدها وسط الأنابيب المنوية، وتسمى الحيوانات المنوية (spermatozoa).
أجزاء الحيوان المنوي
يتكون الحيوان المنوي المثالي من 4 أجزاء مفردة، وهي:
- الرأس الذي يحتوي على الجينات الوراثية للرجل تجتمع في النواة، كما أنه مغطى على مستوى القمة بالجسم القمي الذي يحوي أنزيمات تذيب جزءا من غلاف البويضة، مما يسهل عملية الاختراق.
- ثم هناك ما يعرف بالعنق (قريب وبعيد). ودورهما أساسي لتبدأ البيضة الملقحة بالانقسام.
- عندنا أيضا القطعة الوسطى والتي تحوي عضيات تدعى الميتوكوندريا: تعد بمثابه خزان الوقود الذي يمد الحيوان المنوي بالطاقة حتى يتمكن من الحركة.
- أخيرا، هناك السوط أو الذيل، وهو بمثابة المحرك الذي يسمح بتنقل الحيوانات المنوية، مع الإشارة إلى أن طريقة حركة الحيوانات المنوية تشبه إلى حد كبير طريقة السباحة التموجية.
نلاحظ أن الحيوان المنوي يتخلص من أغلب العناصر المميزة للخلية البشرية، بهدف توفير كفاءة في الحركة و الحفاض على كنزه الثمين إلى أن يصل إلى مبتغاه.
من جهة أخرى، فطريقة اشتغال الخصيتين تتيح لها انتاج أعداد هائلة من الحيوانات المنوية تقدر بالملايين يوميا. والهدف من ذلك تجاوز المشاكل التشريحية التي قد تصيب نسبة من الأمشاج الذكورية، وأيضا القدرة على تجاوز مختلف المصاعب التي تنتظر هذه الخلايا الصغيرة في المسالك التناسلية الأنثوية أساسا؛ و الوصول إلى البويضة، وإن تم تدمير أعداد كبيرة منها طوال مدة هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر... كما سنرى ذلك أسفله.
الأنابيب المنوية
دائما على مستوى الأنابيب المنوية، توجد خلايا سيرتولي Sertoli العملاقة التي تمتد من محيط الأنبوب إلى وسطه، وتفصل بين مجموعات من الخلايا الجنسية. خلايا Sertoli تلعب دورا محوريا في تكون الحيوانات المنوية إذ:
- توفر لها المواد المناسبة لإنتاجها عبر فلترة بلازما الدم.
- تدمر الخلايا المريضة أو المشوهة.
- كما تفرز السائل الذي سيدفع بالحيوانات المنوية إلى البربخ .
- تبعد المناعة الذاتية عن مهاجمة الحيوانات المنوية المكتملة التي قد تعتبر أجنبية عن الجسم.
- أخيرا، تتحكم خلايا Sertoli في نسب افراز التستوستيرون في الأنبوب المنوي ونسب هرمون FSH في الدم، اللذين بدورهما يقومان بالمراقبة العكسية لعمل هذا النوع من الخلايا.
بعد ذلك يتم إرسال الأمشاج الذكرية إلى البربخ – وهو أنبوب طويل وملتوي يتواجد أعلى الخصية ويصل طوله إلى ستة أمتار؛ لكن إلتواءه يجعل طوله الظاهري لا يزيد عن ستة سنتيمترات. على هذا المستوى:
- تتم عملية انضاج و تخزين الحيوانات المنوية التي تصبح قادرة فعليا على الحركة وعلى إخصاب البويضة.
- كما يتم تركيز الأمشاج الذكورية حوالي 100 مرة عبر امتصاص أغلب افرازات خلايا Sertoli من سائل الانابيب المنوية.
- وتبقى الحيوانات المنوية على هذا المستوى إلى حين موعد مرورها إلى الجهاز التناسلي للمرأة بعد أن تكون قد اجتازت بسرعة خاطفة مجموع القنوات التناسلية والبولية المتبقية للرجل.
الحيوانات المنوية تمثل فقط 10 في المئة من المني، أما 90 في المئة المتبقية فتتكون من السائل المنوي الذي يتم افرازه من طرف البروستاتا والحويصلات المنوية وغدد أخرى صغيرة موجودة في نهاية المسالك التناسلية للرجل (غدد كوبر).
السائل المنوي
يحوي السائل المنوي مجموعة من المواد و العناصر الكيميائية التي تساعد الحيوانات المنوية في رحلتها نحو الهدف، دون أن تكون ضرورية. ونخص بالذكر:
الفركتوز
وهو سكر غني بالطاقة، تحتاجه الحيوانات المنوية للحركة والتقدم نحو الهدف.
البروستاغلاندينات
التي تسهل حركة الحيوانات المنوية داخل القنوات التناسلية للرجل ثم المرأة، عبر التسريع والرفع من انقباض العضلات الخاصة بهذه القنوات.
مواد كابتة للمناعة
حتى لا يَعتبِر جسم المرأة الحيوانات المنوية مواد أجنبية يجب تدميرها. كل المواد السابقة الذكر تنتجها الحويصلات المنوية.
سائل قاعدي
سائل قاعدي تفرزه الموثة قصد الحد من خطورة الوسط الحمضي للفرج عند المرأة، كما أنه يعمل على تخفيف لزوجة السائل المنوي ليسهل حركة الحيوانات المنوية.
سائل مِلْحي
سائل مِلْحي شفاف و لزجَ يُعْرَفُ بالمدي، و يساعد على معادلة الآثار الحمضية للبول في الإحليل وتسهيل عملية الاتصال الجنسي.
يتحكم في عملية التوالد عند الانسان من الجانب الذكوري مجموعة من الهرمونات التي تبقى طريقة اشتغالها بسيطة مقارنة مع طرق اشتغال الهرمونات عند الأنثى:
يقوم الوطاء – عبر افراز "هرمون مطلق لموجهة الغدد التناسلية" LH-RH – بتحفيز افراز هرمونات (FSH) و تحفيز الاباضة (LH) من طرف الغدة النخامية.
يتلخص عمل هرمون تحفيز التبويض LH (أطلقت على الهرمون المسؤول على الاباضة عند الأنثى... فآثر العلماء الاحتفاظ بنفس الاسم عند الرجل) على تحفيز إنتاج هرمون الذكورة (التستوستيرون) من طرف خلايا Leydig التي تتواجد بين الأنابيب المنوية في الخصيتين.
بينما يقوم هرمون تحفيز الجريبات FSH بتنظيم عمل خلايا Sertoli الضرورية لتغذية و انضاج الحيوانات المنوية.
أما هرمون التستوستيرون فيتكفل بتحفيز الانقسامات التعادلية و الاختزالية للخلايا التي ستكون الأمشاج الذكورية بمساعدة مشكورة من خلايا Sertoli (وبالتالي من هرمون FSH).
هناك تحكم متبادل بين هرمونات الغدة التناسلية من جهة وهرمونات الوطاء والفص الأمامي من الغدة النخامية المرتبطة بها من جهة أخرى، بحيث كل ارتفاع في الأولى تولد انخفاضا في الثانية، مما يجعل الأولى تنخفض، فترتفع الثانية، لترتفع الأولى وهكذا يتحقق نوع من الاستقرار في نسب الهرمونات على مدار الوقت، عكس ما يحدث مثلا عند المرأة.
البويضة: عندما يفوز الكيف على الكم
فيما يخص الأمشاج الأنثوية المتمثلة في البويضة، فالمبيضان يتناوبان على انتاج واحدة كل شهر.
وعلى عكس الرجل، فاشتغال الجهاز التناسلي الأنثوي يتميز بالتعقيد، كما أن الخلايا الجنسية الأنثوية الأصلية يتم انتاجها كلها خلال الفترة الجنينية للمرأة : أي عندما كانت لا تزال في بطن أمها.
خلال هذه الفترة الجنينية، يتكون مخزون مهم - غير قابل للتجديد - من الخلايا الجذعية قد يصل إلى 6 أو 7 ملايين خلية تتواجد داخل أكياس حاضنة تدعى الحويصلات أو الجريبات التي توفر لها بيئة تحميها وتغذيها، ترقبا لنضوجها وإخصابها لاحقا.
هذا العدد الكبير نسبيا من هذه الخلايا يعرف عددا محدودا من الانقسامات لا يخول له القيام بالمهمة التي يوجد من أجلها، بل ما يحدث هو انخفاض دراماتيكي للبويضات التي لم تحتمي بالجريبات، ليصل عددها عند الولادة إلى حوالي 600.000 بويضة غير ناضجة، تدعى البويضات الأصلية.. غير مهيأة أيضا للإخصاب، كونها أساسا لم تعرف أهم انقسام يجعل منها خلية جنسية تحوي فقط العدد المختزل من الجينات الوراثية للأم.
من الولادة إلى حين بلوغ سن الرشد، تدخل الحويصلات في فترة كمون مع بويضاتها غير الناضجة، مع استمرار انخفاض أعدادها، و لو بصورة بطيئة هذه المرة، ليستقر - عند البلوغ - عند حوالي 300 إلى 400 ألف حويصلة.
لا يُعرف بوضوح لماذا تستيقظ الحويصلات فجأة عند اقتراب مرحلة البلوغ، و تبدأ من 10 إلى 20 منها يوميا في انضاج نفسها ومحتواها من البويضات، لتمر عبر عدة مراحل تطورية في حوالي 70 يوما، نحصل فيها - في إحدى المراحل - على مجموعة منتقاة من الحويصلات تسمى الحويصلات الثانوية، معلنة دخول التوالد عند الانسان من جانب الأنثى في عملية تطورية جديدة منتظمة ودورية، تتحكم فيها تغيرات و تفاعلات هرمونية معقدة، تتم تحت مراقبة لصيقة من أجزاء في الدماغ تماثل تلك التي تتحكم في انتاج الحيوانات المنوية: وهي الغدة النخامية والوطاء (ما تحت المهاد)، وتحدث فيها تغيرات فيزيولوجية دورية تهم أساسا المبيض والرحم، وأيضا عنق الرحم: هذه التغيرات يتم جمعها تحت مسمى الدورة الشهرية التي تصل مدتها في المعدل إلى 28 يوما.
الدورة الشهرية عند المرأة
يمكننا تقسيم الدورة الشهرية إلى مرحلتين رئيسيتين تفصل بينهما الإباضة. وتختلف تسمية هاتين المرحلتين حسب جزء الجهاز التناسلي الانثوي الذي نتحدث عنه: فعلى مستوى المبيض نتحدث، في النصف الأول من الدورة الشهرية، عن المرحلة الجريبية، وفي النصف الثاني عن المرحلة الجسفرونية؛ أما على مستوى الرحم فنتكلم عن المرحلة التكاثرية في النصف الأول، ثم عن المرحلة الافرازية في النصف الثاني.
في مرحلة ما قبل الإباضة
على مستوى المبيض = المرحلة الجريبية:
يقوم الوطاء، عبر افراز هرمون LH-RH، بتحفيز افراز هرمونات تحفيز الجريبات (FSH) وتحفيز الاباضة (LH) من طرف الغدة النخامية:
تقوم هرمونات FSH بتحفيز نمو الخلايا التي تُكوِّن جدار الجريبات الثانوية، فيتعاظم عددها وتنتظم في طبقات متعددة. هذه الأخيرة تبدأ في إفراز هرمونات الأستروجين التي ترتفع نسبتها في الدم وفي السائل الجريبي الموجود في التجويفات، التي ما تلبث أن تجتمع في تجويف واحد؛ مع استمرار في الارتفاع التدريجي في افراز الأستروجينات.
ما يحدث في منتصف هذه المرحلة هو بروز جريب واحد مسيطر ينمو أكثر من باقي الجريبات الثانوية، مع تحجيم تدريجي في افراز هرمون FSH (تحكم عكسي من الأستروجينات المرتفعة على الوطاء والغدة النخامية) مما يتسبب في توقف نمو الجريبات باستثناء الجريب المسيطر الذي يتضاعف قطره ليصل حتى 20 ملم، كما أنه يصبح قريبا من السطح الخارجي للمبيض، مع استمراره في افراز السائل الجريبي الذي يدفع بالبويضة – تحت الضغط – إلى الأطراف، كما أن الأستروجينات تبلغ أقصاها في اليوم 12، فيكون الجواب خلال سويعات قليلة ارتفاع صاروخي من هرمون LH... السبب المباشر والضروري لما يعرف بالإباضة.
على مستوى الرحم = المرحلة التكاثرية
تقوم هرمونات الاستروجين، التي ترتفع نسبتها في الدم في مرحلة ما قبل الاباضة، بتحفيز تكاثر خلايا الرحم العضلية و خصوصا خلايا الطبقة الداخلية للرحم المعروفة ببطانة الرحم، حيث ينتقل سمكها من 1 ملم ليصل إلى 3 و حتى 5 ملم في منتصف الدورة. كما تتكاثر الغدد و الأوعية الدموية توقعا لاستقبال خلية ملقحة في القادم من الأيام.
مرحلة الإباضة
الارتفاع الحاد والصاروخي لهرمون تحفيز الاباضة LH يدوم يوما إلى يومين، ويؤدي إلى:
- تدني إفراز هرمونات الاستروجين
- اتمام نواة البويضة الانقسام الاختزالي الأول الذي يؤدي إلى ظهور خلية بنصف المخزون الوراثي للمرأة، مع احتفاظها بكل المكونات الأخرى للخلية الجنسية الأم، وخلية ثانية صغيرة تحوي النصف الآخر من الجينوم تدعى الجسيم القطبي.
- تفعيل مجموعة من الأنزيمات التي تقوم بهدم جدار الجريب الناضج الذي يحمل اسم "غراف".
- تحول الخلايا الجريبية إلى خلايا جسفرونية غنية بالكوليسترول تبدأ بإنتاج هرمون الجسفرون أساسا وهرمونات الاستروجين بشكل أقل.
في اليوم 14 تقريبا من الدورة الشهرية ينفجر جريب غراف دافعا البويضة مع السائل الجريبي في اتجاه قناة فالوب التي تتلقفها سريعا، و تدفع بها نحو الداخل بواسطة أهداب أو شعيرات متحركة، لتستقر البويضة في الثلث الخارجي من القناة، في انتظار وصول الحيوانات المنوية بهدف الإخصاب... مدة الانتظار لا تتجاوز 24 إلى 36 ساعة قبل أن تموت البويضة و تتلاشى.
في مرحلة ما بعد الإباضة
على مستوى المبيض = المرحلة الجسفرونية
تبدأ الخلايا الصفراء المنتظمة في ما يعرف بالجسم الأصفر بإنتاج هرمون الجسفرون الذي يبدأ تدريجيا بكبح إفراز هرمونات الغدة النخامية بهدف منع نضج جريبات جديدة أو وقوع إباضة جديدة، كما يقوم بإفراز كميات محدودة من هرمونات الاستروجين.
يستمر الجسم الأصفر في الاشتغال مدة أسبوعين في انتظار حدوث إخصاب؛ فإن لم يحدث، تكون نسب هرمون LH في الدم قد تقلصت كثيرا، مما يؤثر على إفرازات الخلايا الجسفرونية التي ما تلبث أن تتوقف ليتلاشى الجسم الأصفر تدريجيا ويتحول إلى جسم أبيض. إذا ما حدث حمل (أنظر أسفله)، تقوم البيضة الملقحة المنقسمة بإفراز هرمون يشبه هرمون LH يسمى هرمون الحمل HCG الذي يحفز الجسم الأصفر للاستمرار في افراز الهرمونات الجنسية مدة 3 أشهر كأقصى تقدير، ريثما تحل المشيمة محله.
على مستوى الرحم = المرحلة الافرازية
حيث يعمل هرمون الجسفرون على تحفيز افراز مواد مغذية من طرف الغدد الموجودة على مستوى بطانة الرحم، حتى تهيأ الظروف المناسبة لنمو الجنين المرتقب؛ وأهم هذه المواد على الاطلاق الجليكوجين: وهو مصدر مهم للطاقة ويعطي عند تحلله سكر الغلوكوز. كما تستمر الأوعية الدموية في النمو حيث يصبح شكلها لولبيا.
إذا لم يحصل حمل، تنهار نسب الاستروجين و الجسفرون في الدم، و يقوم الرحم بإفراز هرمونات البروستاغلاندينات، مما يتسبب في تحلل الأوعية الدموية اللولبية وانفصال أجزاء كبيرة من أنسجة مخاط الرحم الميتة جراء عدم توفر الأوكسجين والغذاء الذي كانت الأوعية تمد البطانة به = وهذا ما يؤدي إلى حدوث الحيض أو الطمث وبداية دورة شهرية جديدة.
في حال حصول الحمل، يستمر الرحم في النمو استعدادا لاستقبال البيضة الملقحة و تعشيشها.
الإخصاب: التوقيت، ثم الحظ، ثم التوقيت
لحدوث إخصاب يؤدي إلى حمل، لابد من توفر عدة شروط:
- السلامة التشريحية للجهازين التناسليين الذكري والأنثوي كما وضحنا ذلك في مواضيع سابقة.
- السلامة الوظيفية للجهازين بمعنى تمكنهما من انتاج نطف جنسية ناضجة وقابلة للإخصاب كما بينا ذاك أعلاه.
- أن تتم الممارسة الحميمية خلال فترة الخصوبة عند المرأة: ونعني بذلك الفترة التي تتحقق فيها الإباضة.
بالفعل، نحن نعلم أن الفترة التي تعيش فيها البويضة في قناة فالوب انتظارا للحيوانات المنوية لا تتجاوز 24 ساعة، بينما قد تعيش الحيوانات المنوية في المسالك التناسلية الأنثوية مدة 48 إلى 72 ساعة كأقصى تقدير، وبالتالي فمرحلة الخصوبة تكون بين 48 ساعة قبل الاباضة و 24 ساعة بعد الاباضة؛ ولا يبقى إلا تحديد وقت الاباضة الذي يحوم حول اليوم 14 من الدورة الشهرية للمرأة مع اختلافات كبيرة بين النساء وعند نفس المرأة في دورات شهرية مختلفة.
عند حدوث القذف، ينطلق ما لا يجب أن يقل عن 20 مليون حيوان منوي (قد يصل العدد إلى 300 مليون أو أكثر) في اتجاه البويضة، محاولين قطع مسافة – مقارنة بحجمهم – تعادل المسافة التي تفصل الأرض عن القمر في وقت لا يجب أن يتجاوز 24 إلى 48 ساعة، متجاوزين العديد من الصعاب التي تجعل أعدادهم تنخفض بسرعة كبيرة، كما أن جميع الخلايا التي تحوي مشاكل هيكلية تموت لعدم قدرتها على الاستمرار. من أهم المشاكل التي تصادف هذه الخلايا الصغيرة:
- حمضية المهبل: التي تقضي على أعداد كبيرة من الحيوانات المنوية. و لا يسلم منها إلا تلك المحاطة جيدا بالسائل المنوي القاعدي، و انتقلت سريعا إلى عنق الرحم.
- عنق الرحم: وهو عبارة عن قناة ضيقة مقارنة بالرحم والمهبل. وبالتالي لا تسمح بمرور جميع الحيوانات المنوية التي ما زالت تقدر بالملايين.
- مخاط عنق الرحم: وهو عبارة عن سائل تفرزه غدد متواجدة على مستوى عنق الرحم، تختلف لزوجته وكثافته عبر مراحل الدورة الشهرية: حيث يكون أكثر كثافة و لزوجة خارج وقت الاباضة مما يصعب من مرور الحيوانات المنوية التي تعلق في شباكه... أما خلال فترة الاباضة، فيكون أقل لزوجة؛ كما تنتظم الشبكة التي يكونها في قنوات تسهل مرور الحيوانات المنوية السليمة، لكنها تصطاد الخلايا المريضة والمشوهة... في هذه الفترة يلعب المخاط أيضا دورا مغذيا لمساعدة الحيوانات المنوية على الاستمرار في رحلتها الطويلة.
- على مستوى الرحم، تساعد الشعريات الموجود في البطانة واحد في المئة من الحيوانات المنوية المتبقية على التقدم، لكن مضادات الأجسام الخاصة بمناعة المرأة لا ترى بعين الرضى وصول هذه الأجسام الغريبة عن الجسم، فتهاجمها و تقضي على أعداد منها.
- توجد فتحتان للخروج من الرحم، وواحدة فقط هي التي تمثل مدخل قناة فالوب حيث توجد البويضة في انتظار الاخصاب. ورغم أن البويضة تفرز ما يمكن تشبيهه بإشارات تنبه الحيوانات المنوية إلى مكانها، إلا أن نسبة معتبرة من الأمشاج الذكورية تفقد البوصلة وتتجه إلى الطريق الخطأ.
تعتبر قناة فالوب مكانا هادئا، قليل المخاطر بالنسبة للحيوانات المنوية ؛ بل يمكن لهذه الأخيرة التزود على هذا المستوى بالطاقة و الاستراحة لسويعات و اتمام اكتسابها القدرة على اختراق أغشية البويضة. كما تساعدها الأهداب التي تغطي مساحات واسعة من جدار القناة و أيضا انقباض عضلات هذه الأخيرة... تساعد الحيوانات المنوية على سرعة الوصول بأقل مجهود ممكن إلى البويضة.
أخيرا، وصلت بضع مئات من الحيوانات المنوية المختارة بدقة إلى البويضة، و بقي عليها اختراق مجموعة من الأغشية السميكة التي تحيط بها ؛ و يتأتى ذلك عبر تحرير الأنزيمات المخزنة في الجسم القمي لرأس الحيوان المنوي. و قد يحتاج الأمر لعدة حيوانات منوية وعدة محاولات حتى يتم تحرير ممر مباشر إلى الداخل يسلكه حيوان منوي وحيد... الذي ما إن يخترق الطبقات الخارجية حتى تغلق البويضة على نفسها جميع المنافذ التي قد تستغلها باقي الأمشاج الذكورية للدخول، فتصبح كالصخرة التي لا سبيل لاختراقها.
عندما يخترق الحيوان المنوي "المحظوظ" آخر حاجز يفصله عن نواة البويضة : تنقسم البويضة للمرة الأخيرة انقساما تعادليا أخيرا تطرح من خلاله جسيما قطبيا جديدا، كما يتخلص الحيوان المنوي من مجمل مكوناته كالذيل والقطعة الوسطى، إلخ...
ويقوم بتحرير نواته التي تحوي نصف المخزون الوراثي للرجل بالقرب من نواة البويضة التي تحوي نصف المخزون الوراثي للمرأة.
يتطلب اندماج النواة وتحول البويضة إلى بيضة ملقحة حوالي ساعة، و ما تلبث البيضة أن تبدأ في الانقسام و التوجه نحو الرحم الذي تبلغه بعد 3 إلى 4 أيام، مدفوعة بالشعريات أو الأهداب الدقيقة التي تكسو قناة فالوب. وتبقى البيضة التي تحمل اسم (تويتة = Morula) تطفو على سطح الرحم 3 أيام أخرى قبل أن تقرر الاستقرار و التعشيش، ومن تم تبدأ مراحل تطورية جديدة للتوالد عند الانسان... وتلك قصة أخرى...